المقام العلمی للامام الرضا علیه السلام :
أن العارف بمقام أهل البیت علیهم السلام یعلم أن هذه العلوم اللامتناهیة الموجودة عند هذه العترة الطاهرة مستمدة من النبع الالهی وهذه العلوم لم یهبه الله عز وجل الا الى رسول الاکرم صلى الله علیه واله وسلم .
فأهل البیت علیهم السلام عندهم کل علوم الانبیاء والمرسلین والملائکة المقربین .[1][1] و أخبار السماءوالارض[1][2] فهم خزان وحی الله وعیبة علمه ,ولا یخفى علیهم شئ من امور الناس.[1][3]
لکن هناک بعض الظروف والاسباب الخاصة ببعض الائمة علیهم السلام تهیئت الفرصة لهم بشکل أکبر وأوسع لنشر المعارف والعلوم الالهیة التی یمتلکونها مثل عصر أمیر المؤمنین (ع) ، والامام الباقر (ع) ، والامام الصادق (ع) ، وکذلک الامام الرضا علیه السلام حیث توفرت فی عصره ثلاثة أمور ساهمت فی تفجر العلوم والمعارف من جوانب هذا الامام الهمام صلوات الله وسلامه علیه:
الاوّل : فتنة الواقفیة : حیث أن هذه الفرقة المنحرفة سعت جاهدة لنشر الشائعات والشبهات المطروحة حول إمامة الامام الرضا علیه السلام والتی دفعت بالامام (ع) الى رد هذه الشبهات والاجابة عنها وهدایة الناس الى العقیدة الصحیحة.
الثانی : زوال الربامکة : کان لزوال البرامکة على ید هارون الرشید والذین کانوا یعتبرون من أعداء أهل البیت علیهم السلام الدور الکبیر فی فتح المجال أمام الامام الرضا علیه السلام وأتباعه لنشر المعارف والعلوم الالهیة .
الثالث : تولی الإمام الرضا علیه السلام لولایة العهد جعل الانظار تتوجه نحو الامام علیه السلام ووالمناظرات العلمیة التی أقامها المأمون العباسی بین الامام (ع) وأهل الفکر والدیانات والمذاهب من المسیحیین والیهود والصابئین والفلاسفة والتی عرفت الناس بشکل أکبر على فضل وعظمة ومقام الامام (ع) العلمی والتی أجبرت أصحاب الفکر والدیانات بالاقرار بأعلمیته (ع) .
فقد کان للامام الرضا علیه السلام المقام العلمی الرفیع حتى نقل عن الأمام الصادق علیه السلام رئیس المدرسة الجعفریة کان موسى بن جعفر یقول لبنیه هذا أخوکم علی بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أدیانکم و احفظوا ما یقول لکم فإنی سمعت أبی جعفر بن محمد ع یقول لی إن عالم آل محمد لفی صلبک و لیتنی أدرکته فإنه سمی أمیر المؤمنین (ع) .[1][4]
عن محمد بن عیسى الیقطینی قال: لما اختلف الناس فی أمر أبی الحسن الرضا علیه السلام جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة.[1][5] عن أبی الصلت عبد السلام بن صالح الهروی قال: ما رأیت أعلم من علی بن موسى الرضا علیه السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتی ولقد جمع المأمون فی مجالس له ذوات عدد علماء الادیان، وفقهاء الشریعة والمتکلمین، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقی أحد منهم إلا أقر له بالفضل، وأقر على نفسه بالقصور. ولقد سمعت علی بن موسى الرضا علیه السلام یقول: کنت أجلس فی الروضة والعلماء بالمدینة متوافرون، فإذا أعیا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلی بأجمعهم وبعثوا إلی بالمسائل فاجیب عنها.[1][6] وعن إبراهیم بن العباس: یقول رأیت الرضا علیه السلام یسأل عن شئ قط إلا علم، ولا رأیت أعلم منه بما کان فی الزمان الاول إلى وقته وعصره والمأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شئ فیجیب فیه، وکان کلامه کله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن وکان یختمه فی کل ثلاثة ویقول: لو أردت أن أختمه فی أقرب من ثلاثة تختمت ولکنی ما مررت بآیة قط إلا فکرت فیها وفی أی شئ انزلت وفی أی وقت؟ فلذلک صرت أختم فی کل ثلاثة أیام..[1][7] وعن الحسن بن علی بن الوشاء الذی تأثر بالفرقة والواقفیة وجاء لیسأل الامام علیه السلام بعض المسائل قال: کنت کتبت معی مسائل کثیرة قبل أن أقطع على أبی الحسن علیه السلام وجمعتها فی کتاب مما روى عن آبائه علیهم السلام وغیر ذلک واحببت أن أثبت فی أمره واختبره فحملت الکتاب فی کمی وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الکتاب فجلست ناحیة وأنا متفکر فی طلب الاذن علیه وبالباب جماعة جلوس یتحدثون فبینا أنا کذلک فی الفکرة فی الاحتیال للدخول علیه إذ أنا بغلام قد خرج من الدار فی یده کتاب فنادى أیکم الحسن بن علی الوشاء ابن بنت الیاس البغدادی؟ فقمت إلیه فقلت: أنا الحسن بن علی فما حاجتک؟ فقال: هذا الکتاب امرت بدفعه إلیک فهاک خذه، فأخذته وتنحیت ناحیة فقرأته فإذا والله فیه جواب مسألة مسألة فعند ذلک قطعت علیه وترکت الوقف.[1][8] وما ینقلونه عن مجلس الرضا علیه السلام مع أهل الادیان واصحاب المقالات فی التوحید عند المأمون حیث جمع له اصحاب المقالات مثل الجاثلیق وراس الجالوت ورؤساء الصابئین والهربذ الاکبر واصحاب زردهشت ونسطاس الرومی حتى دب الخوف فی المحبین للامام علیه السلام فبادر الحسن بن محمد النوفلی لنصیحته (ع)فقال : جعلت فداک یرید الامتحان ویحب ان یعرف ما عندک؟ ولقد بنی على اساس غیر وثیق البنیان وبئس والله ما بنی فقال لی: وما بناؤه فی هذا الباب؟ قلت: ان اصحاب الکلام والبدعه خلاف العلماء وذلک ان العالم لا ینکر غیر المنکر واصحاب المقالات والمتکلمون وأهل الشرک اصحاب انکار ومباهته ان احتججت علیهم بان الله واحد قالوا: صح وحدانیته وان قلت: ان محمدا رسول الله (ص) قالوا: اثبت رسالته ثم یباهتون وهو یبطل علیهم بحجته ویغالطونه حتى یترک قوله فاحذرهم جعلت فداک قال فتبسم ثم قال لی: یا نوفلی افتخاف ان یقطعوا على حجتى؟....... فقال لی: یا نوفلی اتحب ان تعلم متى یندم المأمون؟ قلت: نعم قال: إذا سمع احتجاجى على أهل التوریة بتوراتهم وعلى أهل الانجیل بانجیلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئین بعبرانیتهم وعلى أهل الهرابذه بفارسیتهم وعلى أهل الروم برومیتهم وعلى اصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت کل صنف ودحضت حجته وترک مقالته ورجع الى قولى علم المأمون الموضع الذی هو سبیله لیس بمستحق له فعند یکون الندامة ولا حول ولا قوه إلا بالله العلى العظیم...[1][9]
[1][1] - توحید الصدوق، ر.ک: بحار، ج 26، ص 159.
[1][2] - بصائر الدرجات، ر.ک: بحار، ج 26، ص 110.
[1][3] - نفس المصدر، ص 138.
[1][4] - اعلام الورى، 315.
[1][5] - الغیبة، للشیخ طوسی، ص 52، ر.ک: بحار، ج 49، ص 97.
[1][6] - اعلام الوری، 2/64؛ بحارالانوار 49/100.
[1][7] - عیون اخبارالرضا) ع)، 2/180.
[1][8] - مناقب آل ابی طالب، ج 3، ص 453.
[1][9] - عیون اخبارالرضا) ع)، 2/139؛ التوحید 417.
|